الحكمُ بالمراسيمِ تهميشٌ للمؤسساتِ وتأسيسٌ للديكتاتورية


الحكمُ بالمراسيمِ تهميشٌ للمؤسساتِ وتأسيسٌ للديكتاتورية

الحكمُ بالمراسيمِ تهميشٌ للمؤسساتِ وتأسيسٌ للديكتاتورية

 

الصحفي محمد المذحجي

 

تتميز الأنظمة الرئاسية في العالم بالاعتماد على المراسيم والأوامر التنفيذية في تسيير أعمالها، ولكنها تحترم المؤسسات وتلتزم الصلاحيات، وتحرص على الفصل بين السلطات، وتقف على مسافةٍ واحدةٍ من الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولا تتدخل في عمل أي منها، إلا بالقدر الذي يسمح به الدستور وتجيزه الأنظمة الداخلية المعمول بها في البلاد، وعلى الرغم من الهوامش التي تمنحها الدساتير للرؤساء، إلا أن أغلب النظم الرئاسية الديمقراطية، تلجأ إلى مؤسسات الدولة لتأخذ دورها في التشريع وتنظيم مناحي الحياة المختلفة، خاصةً فيما يتعلق بالسكان وينعكس على حياتهم الاجتماعية والاقتصادية.

 

علماً أن هذا النظام ينتابه عورٌ شديدٌ ويتعرض لأخطاء دائمة، ويعرض الرئيس لنقمة الشعب وغضبه، ويحمله المسؤولية الكاملة عن قراراته، التي قد تكون جائرة أحياناً وغير عادلة، بسبب عجز الهيئات المنظمة لمسودة المراسيم والأوامر عن الإحاطة الشاملة بأبعاد القرار على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية خاصةً، الأمر الذي يسبب حالة من الفوضى والاحتقان، التي قد تتطور إلى الثورة والاضطراب، تماماً كما هو حادثٌ في العديد من الدول العربية، التي يطغى فيها الحاكم على البرلمانات، التي باتت تمارس أدواراً هامشية ومهاماً شكلية بعيداً عن التشريع الأصيل الذي هو مهمتها الأولى إلى جانب الرقابة والمحاسبة.

 

يحق للبرلمانات خلال فترةٍ زمنيةٍ معينةٍ يحددها القانون، في حال خالفت قرارات الرئيس وأوامره أنظمة البلاد وقوانينها، الطعن فيها أو إبطالها، وإلزام الرئيس بالتراجع عنها وإلغائها، كما تستطيع الهيئات والمؤسسات والأفراد الطعن بها لدى مجالس شورى الدولة، أو المجالس الدستورية، أو محاكم الدولة العليا، ولا تنتهك سيادة الرئيس ولا سمو قرارته في حال تراجعه عنها، وهو الأمر الذي يميز الأنظمة الديمقراطية عن غيرها من الأنظمة الشمولية القمعية البوليسية الديكتاتورية، التي تقوم على الفرد وتعتمد على شخص الرئيس فقط، وتصادر دور المؤسسات الشورية والمجالس النيابية، وتعطل صلاحياتها بقراراتٍ رئاسية تفتقر إلى القانون وتعوزها الشرعية، لكنها تمضي في ظل غياب المؤسسات التشريعية بقوة الأمر الواقع.

 

 

أما فيما يتعلق بنا نحن اليمنين ، فقد أصابنا هذا العور، وحلت بنا نكبة الأنظمةالشمولية الديكتاتورية، وخضعنا لأحكام المراسيم ولعنة القرارات الرئاسية، الدنبوعيه وشرعيته الفندقية المهترئة على مدى سنواتٍ طويلة صلاحيات  التشريع التي تجاوزت كل القوانين في العالم علماً أنه فقد الصفة والصلاحيات الرئاسية بانتهاء مهمته الدستورية، التي حددها الدستور اليمني وبالتالي فقدت مراسيمه وأوامر قوة القانون، وأصبحت باطلة كونها قد صدرت عن شخصٍ غير ذي صفةٍ، حيث لم يبق مع الشرعية اي مؤسسة حكومية ، إلا أنه واعتماداً على قوة الأمر الواقع، فقد نجح الرئيس الدنبوع في جعل قراراته نافذة ومراسيمه سارية، خاصةً أن السلطات السعودية قد ساعدته في تنفيذ قراراته من خلال استمرار الحرب وعمليات الاعتقال المستمرة التي طالت العشرات من أعضاء الحكومة الفندقية 

 وتقسيم مناطق الشرعية واضعافها وزرع كيانات جديده مثل الانتقالي وغيره 

 

على ذات النسق الشمولي ووفقاً لمناهج الأنظمة الرئاسية القمعية، فقد توالت المراسيم واستمرت سياسة الحكم بالأوامر الرئاسية، التي سكت عنها الشعب وخضع لها، لكن آخرها التي جاءت في ظل مساعي اتفاق الرياض وجهود التسوية، التي لا يمكن السكوت عنها والقبول بها، اللهم إلا إذا جاءت بالتوافق والمشورة، وبعد قبول القوى والفصائل التابعة للدنبوع والانتقالي بها، إذ لا يجوز أن تبنى تسوية على قراراتٍ فردية، ولا أن يؤسس لحلولٍ على مراسيم أحادية، لا يكون فيها دورٌ للأطراف الأخرى المشكلة للمعادلة سوى الإطلاع عليها والالتزام بها.

 

لم تتوقف المراسيم الرئاسية اليمنية طيلة هذه السنوات الماضية، ولكن واقع الانقسام البغيض وحقيقة التحالف والحرب  جعلت المواطنين يسكتون عن سلبية القرارات وسوء مقاصدها، وعور تشريعها وخطأ الاعتماد عليها، إذ يرصد المراقبون أن بعض المراسيم قد صدرت استرضاءً لأفراد، أو محاباةً لفريق، ومنها ما يعود بالنفع الشخصي ويضر بالصالح العام.

 

لعل القرارات الأخيرة المتعلقة بالمحاصصة المختلفة، وتعطيل عمل مؤسسات الدولة تشير بقوة إلى أنها قرارات سياسية أكثر منها قرارات تنظيمية، فقد صدرت في وقتٍ حرجٍ، وأخذت صفة الاستعجال، وحصلت على صلاحيات التنفيذ الفوري، وهو الأمر الذي لا يوافق عليه الشعب ولن يقبل به في حال الرجوع إليه، أو استشارة ممثليه المعطل دورهم والمصادر قرارهم.

 

كان ينبغي على الدنبوع عبدربه في هذه المرحلة التي تبدو أنها مرحلة استثنائية، التشاور مع كل القوى اليمنية والاتفاق معها على إصدار أوامر توافقية، تخدم المواطن وتخرج باليمن إلى بر الأمان وسايصبح حينها سيد نفسه، ومن حقه إعادة النظر في كل القرارات التنفيذية، والمراسيم والأوامر الرئاسية، التي صدرت خلال فترة تعطل المجلس التشريعي "المنحل" عن تنفيذ مهامه بسبب تعذر لقائه، وإلا فإن السكوت عن هذه المراسيم يعتبر جريمة قانونية، وسابقة تشريعية تضر بالشعب اليمني وتعرض مصالحه لخطر الطغمة الحاكمة أياً كانت هويتها وانتماؤها، فسياسة المراسيم التي اتبعها الدنبوع سياسةٌ هوائية مزاجية لا عدل فيها ولا إنصاف، ولا تحقق العدالة ولا ترقى إلى مستوى المسؤولية الأخلاقية التي يجب أن يتمتع بها الرئيس.عبدربه منصور هادي

الصحفي محمد المذحجي